في النسق التاريخي المعتاد كان النساء على مدار التاريخ هن رجال الظل أو الجنود المجهولون الذين دعموا العظماء وساهموا باعتلائهم عرش المجد.. وصفة الإيثار والتضحية التي فُطرت عليها غالب النساء جعلتهن لا يبالين لعدم ذكر جهودهن.. ولذلك كان النساء أقل حظّا من الرجال في سجلات الأمجاد التاريخية.. وقليل من النساء من وُفّقت وبرز دورها على السطح.. واستطاعت مزاحمة الرجال في صفحات التاريخ الناصعة! وأقل من هؤلاء النساء من جمعت بين أن تكون مُبرزة في ذاتها.. وبين أن تكون داعمة من خلف الكواليس لمن يريدون اعتلاء عرش المجد! من هؤلاء النساء الفاضلات هي الشيخة سلامة بنت حمدان آل نهيان.. فهذه السيدة التي أطبق ذكرها الزاكي وسيرتها العطرة الخافقين.. قد دخلت التاريخ من أوسع أبوابه.. بأعمالها الخيرية التي تواتر الناس على ذكرها.. بين دعم للفقراء والمساكين.. والموهوبين من شعراء وكتّاب، ولا أدل على ذلك من حرصها على تلمّس حاجات الموهوبين وقضائها ماديا ومعنويا.. والتفاتة سموها للموهوبين من شعراء وأدباء وكتّاب وتسخير إمكاناتها المادية والمعنوية لهم لا يأتي إلا من وعي عظيم بدور الموهوب.. فالموهوب الذي لا يحيط موهبته الشعرية والأدبية بسياج من الإخلاص للفكرة ويحميها من آثار الفقر والمصلحة عليها لن يستطيع خرق حاجزَي الزمان والمكان في إنتاجه الأدبي! وما أجمل قول شاعر العرب الأكبر الجواهري الذي لخص معاناة الشاعر وحرصه على الإخلاص للفكرة بقوله: تحلّب أقواما ضروع المنافعِ وعدتُ بوسق من أديب وبارعِ وعلّلتُ أطفالي بشر تعلّة خلودِ أبيهم في بطون المجامعِ فالجواهري لم يستطع الإخلاص لفكرته إلا بعد أن قدّمها على الاعتبارات المصلحية وعلى حاجات أطفاله الذين لاموه بأنه لم يفعل كما فعل غيره وانتفع بشعره.. فعزّى أبناءه بشر تعزية وقال لهم: يكفيكم أن أباكم تخلّد في التاريخ.. وهذا خير لكم من المال والمناصب! وكذلك قول الشاعر فهد عافت: أنـا الـذابل مـا بين الـمكرفون ورغبة الجمهور عـشان أحـيا... مـثل ما لازم أحيا داخل أوراقي فالشيخة سلامة بتركيزها على دعم المواهب الثقافية على اختلاف أنواعها.. سدّت ثغرة لطالما تسلل منها من شوّهوا قيم الفن والثقافة والأدب. فاللهم كثّر من أمثال الشيخة سلامة في وطننا العربي.. وخذ بيدها لما تحب وترضى.